مؤسسة النوايا الحسنة - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


مؤسسة النوايا الحسنة
داوود الجولاني – 13\06\2009
كان الإعلان عن تأسيس مؤسسة جديدة "طخ .. لنج" في الجولان بمثابة واحة خضراء خرجت من باطن الصخر. لا أحد يعرف اسم وشكل من أسسها ولكن من خلال تجواله اليومي في شوارع القرية تبين لنا أنه شخص غريب الملامح يتلوّن وفق رغبة الناظر إليه. فهو تارة أبيض وتارة أسمر وتارة يأخذ شكل النمر فيقفز ويصطاد سلحفاة لا تقوي على المشي، وتارة يتحول إلى دب يدزّ رأسه في عش نحل فيُعقص.

نحسبه علمانيا أحيانا، وفي مرات أخرى دينيا متطرفا يحمل مسدسا مثل أي ثوريّ يقوس به على قدميه، وأحيانا نحسب أن شجر الزيتون ينبت في عقر داره، ولكننا تيقنّا أنه رجل يحمل نوايا طيبة. وظننا أنه الشخص المبشّر به في حشايا الكتب المقدسة، لذلك سميناه الرجل الذي يظنّ.
كان يستعير من الغضب غضبا حين يسمعنا نقول له: "أنت المؤسسة والمؤسسة صارت أنت".

فيجيبنا:
"أنا ممثل للبسطاء والفقراء وما ذنبي أن هم عهدوا لي بتوصيل الرسالة إليكم".

كنا نحتار أمام أجوبته الصادقة رغم الشكوك التي تساورنا.

أما الشيء المؤكد الوحيد لدينا أنه ثمّة امرأة تهيم فيه حباً وشوقاً، فهي بمثابة رائحة الزهر تحوم حول أنفه ولا تفارقه، ولكنه لا يعيرها اهتماما.
وحتى تبقى إلى جانبه صاغرة لحبه، قبلت أن تعمل لديه موظفة تنقل له ما يقال عنه في مواقع النت. ومن مهام الموظفة أيضا أن تنقل له أخبار الناس وتصوره وهو يجادل ويشاكس وينقر محاوريه.

وبعد جولته الأولى في شوارع القرية قالت له:
"لقد كان خطابك اليوم قاسيا بعض الشيء. فقد صورت وكأن كل المؤسسات لا تجيد غير القيل والقال، وأنها لا تملك رؤيا لحل مشاكل المجتمع. ثم أنك شطحت قليلا في نقدك أللاذع لمواقع النت، فما كان يجدر فيك أن تقترح إغلاقهم وتبقي محطة النت الخاصة بك".

فردّ وقد بدا مثل ماردّ، برزت عضلات جسده، وصار فكّاه مثل فكيّ كماشة:
"لا يهم ما تقولينه. . فقط أخبريني كيف كان وقع كلامي على عامة الناس"؟
فأجابت وحبها له يمنعها من إغضابه: " لقد اعتبروك مثل نبي بشرهم بالصواب ومثل طير دلهم على الطريق".

انفرجت أساريره لما سمع هذا الكلام وتناول وجبة عشاء دسمة ونام قرير العين.

في اليوم التالي لنومه، أبلغته الموظفة أن طفلا من قرية مجاورة، فجّ رأس طفل أخر. فخرج مسرعا وعندما التقى بوالدي الطفلين أنبأهما وقال لهما:

"انتم لا تعرفون كيف تربون أولادكم فعليكم قراءة كتب التربية صفحة وراء صفحة حتى تستحقون نعمة إنجابهم، أما والد الطفل المذنب فعليه دفع غرامة مالية، وإلا لن اسمح له بالمشاركة في الأتراح والأعراس".

فردّ والدا الطفلين: " أنهم أولاد صغار وأبناء عم، فابعد انفك عنا".

فانصرف حانقا ولكن بعد أن رأى صورته في موقع النيت خاصته وقد كُتب تحتها هذا التعليق:

"مدير مؤسسة النوايا الحسنه يصلح ذات البين، وينجح فيما فشل فيه ذوي القربى".

عندها بشّ ونشّ عشاءا دسما ونام.

وفي اليوم التالي أحضرت له الموظفة كأسا من الحليب وبيضتين مسلوقتين وملعقتين من عسل الحرمون. وارتدت روْبا من الحرير المزركش بالورد الأبيض فوق قماش من حرير تلوّنَ بالأزرق.
شرب قهوته ودخن سيجارته وانصرف وهو يقول لها:"لقد علمت أن مجمع لرجال الدين قد اختلفوا حول مقولة وهي أن للرجل مثل حظ الأنثين... فأني ذاهب لأفسر لهم ما غاب عنهم من حقائق الأمور وما التبس عليهم من فهم الدين".

ولما عاد في المساء أخبرها دون أن تسأله:

"لقد ناكفتهم وبينّت صدق حجتي عليهم ولكني في النهاية وحتى لا اجعل الشقاق والفراق يسود بيني وبينهم، طاوعتهم لحين.. ووافقتهم أن الأنثى لا حظ لها أمام الرجل".

ولكنها انصرفت لغرفتها ولم تعرف إن كان تعشى تلك الليلة أو نام قرير العين.

في اليوم ما بعد التالي لنومه، استجمعت الموظفة شجاعتها وقررت أن تعلن له حبّها و أنه كلما تدخل في شؤون الناس فان حبّها له ينقص. لكنه لم يعطها فرصة للكلام، وبادرها القول قبل أن تنبس بكلمة إذ سألها: " لماذا لم تخبريني عن الحريق الذي يشتعل فجفلت الموظفة وتراجعت وكأن حرارة النار لسعتها:

- عن أي حريق تتكلم؟

فأجابها وهو يشد بنطاله إلى أعلى خصره، ويحمل خرطوم الماء فوق كتفه:

- أنه حريق شبّ في الموقف الوطني، فاتبعيني بالكاميره وابلغي محطات النيت أني سمحت لهم بتصويري وليوافوني إلى الموقف الوطني.

وفي المساء عاد كسير الخاطر، ولم يأكل لقمة تسد رمقه، فسألته:

- لماذا أنت مكتئب؟ ألأن محطات النت لم تركض خلفك؟

أم لأني لم أصورك؟

فقال :

- لا هذا ولا ذاك، فاني لم أجد حريقا يشتعل.

فردت:

- ولماذا تنزعج؟ فمازال الموقف الوطني بخير وعافية.

فأجابها:

- لم أجد الموقف الوطني فقد تاه مني.

فردت:

- وأنا أيضا من الصباح لن تجدني.